Skip to content

نُبذَة عن حياتي: الحكمة التي تعلَّمتها بخضوعي لرحمة الله

    rag-in-may  في سياق الكلام في هذا المقام، أودُّ أن أُشارككم كيف أصبحت أخبار الإنجيل السارَّة أمرًا مهمًّا بالنسبة إليَّ.  أعتقد بأنَّ هذا سيُتيح لكم أن تفهموا بشكلٍ أفضل ما كتبته في السجلّ في موقعي على الإنترنت.  إنَّ مقالتي بعنوان ما لا يتحدَّث عنه هذا الموقع  ستساعدكم أيضًا في هذا الصَدَد.

     وبالمناسبة، إليكم المعلومات الأساسيَّة عنِّي… إنّني أُقيمُ في كندا.  أنا متزوِّج ولديَّ ابن.  تابعت دراستي في جامعات تورنتو Toronto و برونزويك Brunswick و آكاديا Acadia.  حاصل على البكالوريوس ودرجة الماجستير في هندسة الغابات.  كانت خبرتي المهنيَّة في الهندسة في معظمها في مجال التشكيل الرياضيّ لأوضاع الغابات.

الضجر خلال فترة صبا قضيتها متمتِّعًا بالامتيازات

     لقد نشأتُ في عائلةٍ  من المهنيِّين المحترفين تنتمي إلى الطبقة المتوسِّطة العليا.  هاجرت أسرتي ذات الأصول السويديَّة إلى كندا عندما كنت صغيرًا، ثمَّ كبرت وأنا أعيش في الخارج في عدَّة بلدانٍ – الجزائر، ألمانيا، الكاميرون، وأخيرًا عدّت إلى كندا لمتابعة دراستي الجامعيَّة.  مثلي مثل أيِّ شخصٍ آخر، أردّتُ (وما زلت أريد) اختبار كلَّ شيءٍ في الحياة – حياةٍ تتميَّز بالرضا وبإحساسٍ بالسلام، حياة ذات معنى وهدف – جنبًا إلى جنبٍ مع ترابطٍ بأشخاصٍ آخرين، بعائلتي وأصدقائي، بشكلٍ خاصّ.

     نظرًا إلى عيشي في هذه المجتمعات المتنوِّعة – التي تدين بشتَّى المذاهب والديانات، فضلاً عن العلمانيَّة منها – ولأنَّني كنتُ قارئًا نهمًا، فقد تعرَّضتُ إلى وجهات نظرٍ مختلفة حول ما هو ‘حقيقيّ’ بشكلٍ مطلق، وما أنا في حاجةٍ إليه لكي أعيش حياةً كاملة.  إنَّ ما لاحظته كان أنّه على الرغم من أنَّني كنت (ومعظم الناس في الغرب) أتمتَّع بثراءٍ وبوسائل تكنولوجيا وبحريَّة اختيار لتحقيق هذه الأهداف لا مثيل لهم، إلاَّ إنَّ المفارقة في زمننا أنَّ كلَّ هذه كانت تبدو أمورًا بعيدة المنال.  لقد لاحظتُ أنَّ العلاقات الأُسريَّة كانت أقلّ استمراريَّة وثباتًا من تلك التي كانت موجودة في الأجيال السابقة.  لقد سمعتُ أنَّنا إذا تمكَّنا من الحصول على ‘أكثر بقليلٍ’ فقط، فسنحقِّق أهدافنا.  ولكن كم هو أكثر هذا القليل؟  وأكثر من ماذا؟  من المال؟  من المعرفة العلميَّة؟ من التكنولوجيا؟  من المتعة؟  من المكانة أو المنزِلَة؟

     كشخصٍ يافعٍ، شعرت بقلقٍ ربّما يكون أفضل وصفٍ له هو أنّه إحساسٌ غامضٌ بالضجر والتململ.  وبما أنَّ والدي كان مهندسًا استشاريًّا مغتربًا في الجزائر، فقد كنت أتسكَّعُ مع شبابٍ آخرين من الأثرياءٍ المحظوظين الذين تلقُّوا تعليمًا غربيًّا.  ولكنَّ الحياة هناك كانت تبدو بسيطة جدًّا مع وسائل قليلة لتسليتنا.  لهذا كنت أتوق أنا وأصدقائي إلى الأيّام التي سنتمكَّن فيها من العودة إلى أوطاننا والتمتُّع بجهاز التلفاز والطعام الجيِّد والفرص، مع حريَّات الحياة الغربيَّة وسهولتها – وعندئذٍ سنشعر ﺒ ‘الرضا’.  ومع ذلك، كنت عندما أزور كندا أو أوروبا، كان الضجر يعاودني بعد فترةٍ قصيرة.  والأسوأ من ذلك، أنّني لاحظتُ أيضًا ذلك في الأشخاص الذين عاشوا هناك طوال حياتهم.  أيًّا كان ما لديهم (وكان لديهم الكثير بكلِّ المقاييس) فقد كانت هناك دائمًا حاجةٌ إلى المزيد.

     لقد اعتقدتُ أنَّني سأعثر على ‘هذا الشيء’ عندما يصبح لديَّ صديقة تتمتَّع بالشعبيَّة.  ولوهلةٍ، بدا أنَّ هذا قد ملأ شيئًا ما في داخلي، ولكن بعد بضعة أشهرٍ، كان الضجر يعاودني.  ظنَنتُ أنَّني سأصل إلى حالة ‘الرضا’ هذه عندما أنتهي من المدرسة… وبعد ذلك اعتقدت أنَّ هذا سيحصل عندما سأتمكَّن من الحصول على رخصة قيادة، وقيادة سيّارة – عند ذلك سينتهي بحثي.  الآن وقد أصبحتُ أكبر سنًّا، أسمع الناس يتحدَّثون عن التقاعد وكأنَّه تذكرةٌ للشعور بالرضا.  أهذا كلُّ ما في الأمر؟  هل ننفق حياتنا كلّها ونحن نطارد شيئًا تلو الآخر معتقدين أنَّ الشيء التالي الموجود على قاب قوسَين أو أدنى سيمنحنا الرضا،ثمَّ… تنتهي حياتنا! يبدو ذلك عقيمًا إلى أبعد حدٍّ!

     تابعتُ دراستي في ألمانيا، وخلال هذا الوقت كنت أُؤمن بالله على الرغم من كون الغرب علمانيًّا في معظمه وحتَّى ملحدًا.  كذلك كان يبدو أمرًا لا يُصَدَّقُ بالنسبة إليَّ أن يكون هذا العالم كلّه وكلُّ ما فيه قد نشأ صدفةً.  لقد درستُ هذه النظريَّات الإلحاديَّة جميعها، وأنا حتَّى اليوم أُواكب هذه النظريَّات وعلى اطِّلاعٍ عليها.  ولكن على الرغم من هذا المــُعتَقَد الدينيّ، ظلَلتُ أُعاني من اضطّرابٍ داخليّ فيما كنت أحاول إرضاء مشاعر الضجر التي سبق وأن وصفتها أعلاه، بفعل أشياءٍ أو التفكير في أشياءٍ أدَّت إلى غمري بإحساسٍ بالخجل والعار.  لقد كنتُ كمن كانت لديه حياةٌ سريَّة لم يكن الآخرون يعرفون شيئًا عنها.  لكنَّ هذه الحياة كان يملؤها الحسد (لقد أردتُ ما كان الآخرون يملكونه)، والكذب وعدم الأمانة (كنت أرغب في سَتر الحقيقة في بعض الأحيان)، والشجار (كنت أدخل بسهولةٍ في جدالٍ مع أفراد أُسرتي)، والفسوق الجنسيّ (وكان غالبًا ما كنتُ أشاهده على جهاز التلفاز – وهذا قبل أن يكون هناك إنترنت – أو أقرؤه أو أفكِّر فيه) والأنانيَّة.  وكنت أُدركُ أنَّه على الرغم من أنَّ العديد من الأشخاص لم يكونوا يرَون هذا الجزء من حياتي، فإنَّ الله كان يراه.  وهذا ما جعلني أشعر بالاضّطراب وعدم الراحة.  في الواقع، كان يمكن أن يكون عدم إيماني بوجود الله أكثر ملاءمة من نواحٍ عديدة لأنّه كان سيكون بإمكاني حينها أن أتجاهل ذلك الشعور المــُذنِب بالعار أمامه.  بكلمات داود في كتاب الزبور، كنت أطرح السؤال:  ‘‘بمَ يُزكِّي الشابُّ طريقهُ؟’’ (مزمور 9:119) مهما حاولتُ التقيُّد بالشعائر الدينيَّة، مثل الصلوات أو إنكار الذات أو حضور الاجتماعات الدينيَّة، فإنَّ هذا لم يُزِل حقًّا هذا الصراع.

حكمة سليمان

     خلال تلك الفترة، وبسبب هذا الضجر الذي استشعرته في داخلي ومن حولي، كان لكتابات سليمان بالغ الأثر في نفسي.  كان سليمان ابن داود ملكًا على إسرائيل في العصور القديمة مشهورًا بحكمته، وقد كتب العديد من الكتب التي هي جزءٌ من الزبور (كتب والده داود الجزء الأكبر من الزبور،لكنَّ سليمان استمرَّ في الإضافة إليه) حيث وصف هذا الشعور بالضجر نفسه الذي كنت أختبره.  فقد كتب:

وَقُلْتُ لِنَفسِي: «لِمَ لا أُجَرِّبُ اللَّذّاتِ وَأتَمَتَّعُ بِالحَياةِ….. بَينَما أملأُ قَلبِيَ بِالحِكْمَةِ. جَرَّبْتُ الحَماقَةَ، لأُحَقِّقَ أقصَى قَدْرٍ مِنَ السَّعادَةِ يُمكِنُ أنْ يُحَقِّقَهُ إنسانٌ طَوالَ حَياتِهِ فِي هَذا العالَمِ.هَلْ يَجلِبُ العَمَلُ الشّاقُّ السَّعادَةَ؟

ثُمَّ بَدَأْتُ أعمَلُ أعمالاً عَظِيمَةً. فَبَنَيتُ بُيُوتاً. وَغَرَسْتُ كُرُوماً لِنَفسِي. غَرَسْتُ بَساتِينَ، وَأنشَأْتُ حَدائِقَ. غَرَسْتُ كُلَّ أنواعِ الشَّجَرِ المُثمِرِ.  عَمِلْتُ بِرَكَ ماءٍ لِنَفسِي، وَسَقَيتُ مِنْها بَساتِينِي.  اقتَنَيتُ عَبِيداً وَجَوارِيَ. وَصارَ أبناؤُهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُمْ عَبِيداً فِي بَيتِي أيضاً. مَلَكْتُ الكَثِيرَ. كانَتْ لِي قُطعانٌ مِنَ البَقَرِ وَالمَواشِيَ. فَامتَلَكْتُ أكثَرَ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي القُدْسِ قَبلِي.

كَوَّمْتُ فِضَّةً وَذَهَباً لِنَفسِي. وَمِنَ المُلُوكِ وَالشُّعُوبِ تَلَقَّيتُ كُنُوزاً وَهَدايا. وَكانَتْ لَدَيَّ الجَوارِي وَالمُغَنِّياتُ. وَتَمَتَّعْتُ بِكُلِّ ما يُمكِنُ أنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ مَلِكٌ.  صِرْتُ عَظِيماً وَتَفَوَّقْتُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ عاشُوا فِي القُدْسِ قَبلِي. وَظَلَّتْ حِكمَتِي مَعِي لِتُعِينَنِي.  كُلَّما اشْتَهَتْ عَينايَ شَيئاً، سارَعْتُ إلَى الحُصُولِ عَلَيهِ. وَلَمْ أبخَلْ عَلَى نَفسِي بِكُلِّ ما يُفرِحُها. فَكانَتْ تِلكَ السَّعادَةُ ثَمَرَ كُلِّ تَعَبِي ( ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ 1:2-10)

     الثروات والشهرة والمعرفة والمشاريع والزوجات والمتعة والمملكة والمكانة… كان سليمان يملكها كلّها – وأكثر من أيِّ شخصٍ آخر في زمانه أو في عصرنا.  ربَّما ستعتقدون أنَّه، من بين جميع الناس، كان راضيًا.  لكنَّه استنتجَ أخيرًا:

ثُمَّ تَفَحَّصْتُ كُلَّ ما عَمِلْتُهُ، وَالثَّروَةَ الَّتِي جَمَعْتُها، فَوَجَدْتُ أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زائِلٌ وَكَمُطارَدَةِ الرِّيحِ. وَما مِنْ فائِدَةٍ فِي هَذِهِ لدُّنْيا…. فَعُدَّتُ وَسَلَّمْتُ قَلبِي لِليَأسِ، وَنَدِمْتُ عَلَى كُلِّ جَهْدٍ بَذَلْتُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيا. ….. وَهَذا أيضاً مُحْزِنٌ وَفارِغٌ. ما الَّذِي يَجنِيهِ الإنسانُ حَقّاً بَعْدَ كُلِّ تَعَبِهِ وَجِهادِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيا؟ …. هَذا أيضاً زائِلٌ (ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ 11:2-23)

موت و ديانة وظُلْم – ثوابت الحياة ‘تحت الشمس’

 

     جنبًا إلى جنب مع هذه المسائل جميعها، كان جانبٌ آخرٌ من جوانب الحياة يقلقني.  وقد أزعج سليمان كذلك.

 فَكَّرْتُ فِي كُلِّ شُؤُونِ البَشَرِ. وَقُلْتُ لِنَفسِي: ‘‘رُبَّما يُرِيدُ اللهُ أنْ يُرِيَ البَشَرَ أنَّهُمْ كَالحَيواناتِ. إذْ يَنتَظِرُ البَشَرَ وَالحَيواناتِ المَصِيرُ نَفْسُهُ. فِي البَشَرِ وَالحَيواناتِ نَسَمَةُ الحَياةِ نَفَسُها. وَهَلْ يَختَلِفُ حَيوانٌ مَيِّتٌ عَنْ إنْسانٍ مَيِّتٍ؟ هَذا كُلُّهُ زائِلٌ!  تَؤُولُ جَميعُها المَكانِ نَفْسِهِ. هِيَ مِنَ التُّرابِ، وَإلَى التُّرابِ تَعُودُ.  وَمَنِ يَدرِي إنْ كانَتْ رُوحُ الإنسانِ تَصعَدُ إلَى اللهِ، بَينَما تَنزِلُ رُوحُ البَهِيمَةِ تَنحَدِرُ تَحتَ الأرْضِ؟’’ (الجامعة 19:3- 21)

وَمَصيرٌ واحِدٌ لِلجَميعِ! لِلأخيارِ وَلِلأشْرارِ، لِلأنقِياءِ وَغَيرِ الأنقِياءِ. لِمَنْ يُقَدِّمُونَ الذَّبائِحَ وَمَن لا يُقَدِّمُونَ. الصّالِحُونَ كَالخُطاةِ! وَالنّاذِرُ نُذُوراً كَمَنْ يَتَجَنَّبُونَ النُّذُورَ. أسوَأُ ما فِي هَذِهِ الدُّنيا أنَّ مَصِيراً واحِداً يَنتَظِرُ الجَمِيعَ…. لا أحَدَ يُسْتَثنَى مِنَ المَوتِ؟ لَكِنْ لا يُوجَدُ لِأيِّ حَيٍّ رَجاءٌ. وَصَدَقَ مَنْ قالَ: كَلْبٌ حَيٌّ، خَيرٌ مِنْ أسَدٍ مَيِّتٍ.  يَعرِفُ النّاسُ الأحياءُ الآنَ أنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ. أمّا المَوتَى فَلا يَعْرِفُوُنَ شَيْئاً. وَلَنْ يَنالُوا بَعْدُ ما يَنالُهُ البَشَرُ مِنْ مُكافَآتٍ، ثُمَّ يَنساهُمُ النّاسُ (ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ 2:9-5)

     نشأتُ في أسرةٍ متديِّنةٍ وعشتُ في الجزائر، التي هي نفسها بلدٌ متديِّن.  أيمكن أن يكون الدين هو الجواب؟  المشكلة هي أنَّه كانت لديَّ في ‘داخلي’ تجربةٌ مع الدين، ولم تكن دائمًا تجربة إيجابيَّة.  أعتقد أنَّه بالنسبة إلى الكثيرين، يمكن أن يكون الدين سطحيًّا- يتعامل فقط مع الطقوس الخارجيَّة – ولكن دون أن يلمس قلوبنا.  كم من الشعائر الدينيّة، مثل الصلاة والذهاب إلى الكنيسة (أو الجامع)، على المرء أن يقوم بها لكي ينال ما يكفي من ‘الاستحقاق’ مع الله؟  إنَّ محاولة عيش حياةٍ أخلاقيَّةٍ من الناحية الدينيَّة كانت مُتعِبَة جدًّا، فمن لديه القدرة على الاستمرار في تجنُّب الخطيئة؟  ما الذي يتوقَّعه الله حقًّا منِّي؟  يمكن أن تكون الواجبات الدينيَّة مرهقة.

     وفي الواقع سألتُ نفسي، إذا كان الله هو المسيطر، فلماذا يسمح بحدوث هذه الأمور السيِّئة؟  لن يستغرق النظر حولنا الكثير من الوقت لرؤية الظلم والفساد والقمع الذي يحدث في العالم.  وليس هذا مجرَّد المنعطف الأخير للأحداث، بما أنَّ سليمان لاحظ ذلك أيضًا قبل 3000 سنة.  قال:

وَرَأيتُ أيضاً هَذا فِي هَذِهِ الدُّنْيا.  نَظَرْتُ إلَى المَحاكِمِ، حَيثُ يَنْبَغِي أنْ يَسُودَ العَدلُ وَالإنصافُ، فَرَأيتُ الظُّلْمَ وَالشَّرّ…َوَتَأمَّلْتُ مَرَّةً أُخْرَى ما يَحدُثُ فِي هَذِهِ الدُّنْيا مِنْ ظُلْمٍ. رَأيتُ دُمُوعَ المَظلُومِينَ، وَلَيْسَ مَنْ يُعَزِّيهِمْ. وَرَأيتُ القُساةَ أصحابَ النُّفُوذِ يُذِيقُونَهُمُ العَذابَ، وَلَيسَ مَنْ يُعَزِّيهِمْ.  فَوَجَدْتُ أنَّ الأمْواتَ أفضَلُ حالاً مِنَ الأحياءِ.  وَأفضَلُ مِنْ هَذا وَذاكَ، الَّذِينَ يَمُوتُونَ عِنْدَ وِلادَتِهِمْ، لِأنَّهُمْ لا يَشهَدُونَ الشُّرُورَ الَّتِي يَعمَلُها النّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيا (الجامعة (3-1:4 ;16:3

      بالنسبة إلى سليمان، كما هو واضحٌ أيضًا بالنسبة إلينا؛  تتميَّز الحياة ‘تحت الشمس’ بالقهر والظلم والشرِّ.  لماذا يحدث هذا؟  هل ثمَّة أيُّ حلّ؟  ثمَّ تنتهي الحياة ببساطة بالموت.  الموت هو النهاية المحتومة، وهو يُهَيمن هَيمَنَةً مُطلَقَة على حياتنا.  وكما كتب سليمان، هو مصير جميع الناس، الصالحون منهم أو السيِّئون، متديِّنون أم غير متديِّنين.  ترتبط مسألة الأبديَّة ارتباطًا وثيقًا بموضوع الموت.  هل سأذهب إلى الجنَّة، أو (أكثر إثارةً للرعب) هل سأذهب إلى مكان الدينونة الأبديَّة – جهنَّم؟

البحث في الأدب الأبديّ

     هذه القضايا التي تتعلَّق بتحقيق الرضا الدائم في الحياة، وعبء الشعائر الدينيَّة، والقمع والظلم اللذين عانى منهما التاريخ البشريّ كلّه، فضلاً عن حتميَّة الموت والخشية ممَّا سيحدث بعد ذلك، كلُّ ذلك تفجَّر في داخلي.  في مرحلة دراستي الثانويّة العليا، أُسنِدَت إلينا مهمَّة جمع مائة قطعة أدبيَّة  (قصائد، أغاني، قصص قصيرة إلخ..) تُعجِبنا.  كانت هذه المهمَّة واحدة من أكثر التمارين المجزيَّة التي قمتُ بها في المدرسة.  عالَجَت غالبيّة مجموعتي واحدة من هذه القضايا.  وقد سمَحَ ذلك لي بأن ‘أتعرَّف’ وأَستَمع إلى العديد من الطلاّب الآخرين الذين كانوا أيضًا في صراعٍ مع المشاكل نفسها.  وقد تعرَّفت إليهم – من جميع العصور والخلفيّات الثقافيّة وأنماط الحياة والفلسفات والأنواع.  كان هناك أغنية Satisfaction لفرقة رولنغ ستون Rolling Stones، و موسيقى Time لفرقة بينك فلويد  Pink Floyd، وقصيدة أُوزيمانديوس Ozymandias للشاعر شيللي  Shelley، صامويل كولريدج Samuel Coleridge، دبليو. إتش. أودِن W. H. Auden، شكسبير Shakespeare، فروست Frost،  وإلى ما هنالك.

     وقد أدرجتُ أيضًا بعضًا من أقوال عيسى (يسوع) الواردة في الإنجيل.  إذن، إلى جانب القطع الأدبيَّة كما ذُكِرَت أعلاه، كانت هناك تعاليم لعيسى مثل:

        ‘‘وأمَّا أنا فقد أتيتُ لتكون لهم حياةٌ وليكون لهم أفضل’’ (يوحنا 10:10)

     خطرت في بالي فجأةً هذه الفكرة، أنَّه لربَّما، لربَّما فقط، هنا يكمن الجواب على هذه الأسئلة التي كان سليمان وهؤلاء المؤلِّفون وأنا نطرحها بشأنها.  بعد كلِّ شيء، تعني كلمة إنجيل (الذي كان حتّى ذلك الحين إلى حدٍّ ما كلمة دينيَّة لا معنى لها) حرفيًّا، ‘الأخبار السارّة’.  أكان الإنجيل حقًّا أخبارًا سارَّة؟  أكان كتابًا موثوقًا أم محرَّفًا؟  ازدادت هذه الأسئلة في داخلي.

لقاء لا يُنسى

 

      في وقتٍ لاحقٍ من تلك السنة، كنت برفقة بعض الأصدقاء في رحلة تزلُّجٍ في سويسرا – منطقة تزلُّجٍ جميلة.  بعد يومٍ رائعٍ قضيناه في التزلُّج وفي أعماقنا تلك الطاقة التي تلازم الشباب، أردنا الخروج مساءً لارتياد الحانات حيث كنَّا نرقص ونلتقي فتيات، ونقضي وقتًا ممتعًا حتّى ساعة متأخِّرة جدًّا من الليل.

     تقع منتجعات التزلُّج في سويسرا في أعالي الجبال.  أتذكَّرُ بوضوح خروجي من واحدة من قاعات الرقص في وقتٍ متأخِّرٍ جدًّا في الليل للذهاب إلى النزل الذي أقيمُ فيه.  إذ ذاك توقَّفتُ وحدَّقتُ في النجوم.  لأنَّ الظلام كان دامسًا جدًّا (كنت على جبلٍ حيث كان ‘‘التلوُّث الضوئي’’ من صنع الإنسان ضئيلاً). كنت قادرًا على رؤية عظمة وجلالة النجوم كلّها.  لقد احتُبِست أنفاسي في الواقع، وكلُّ ما استطعتُ أن أفعله كان الوقوف هنا والتحديق فيها في رهبةٍ وتوقير.  خطرت في ذهني آية من الزبور تقول:  ‘‘السموات تحدِّث بمجد الله…’’ (مزمور 1:19).

      كان التحديق في عظمة هذا الكون المرصَّع بالنجوم في هذه الليلة الحالكة السواد وكأنّني أستطيع بطريقةٍ بسيطةٍ جدًّا رؤية جلال الله وعظمته.  وفي هدوء تلك اللحظة، أدركتُ أنَّ لديَّ خيارٌ.  بإمكاني أن أُسلِّم نفسي له، أو يمكنني متابعة الطريق الذي كنت سائرًا فيه وأنا أملك شكلًا من أشكال التقوى لكنِّي أُنكر تأثيرها وسلطتها في حياتي كلِّها.  عند ذلك ركعتُ على ركبتَيَّ وأنا أحني رأسي نحو الأرض في سكون تلك الليلة المظلمة، وصلَّيتُ قائلاً :  ‘‘أنتَ الربّ. وأنا أُسلِّمُ نفسي إليك.  هناك الكثير ممَّا لا أفهمه.  أرجوك أن تقودني في طريقك القويم’’.  بقيت في مكاني محنيًّا رأسي نحو الأرض باستسلام، معترفًا بالذنوب في حياتي وسائلاً الله أن يرشدني.  ما من كائنٍ آخر كان معي في هذه اللحظات.  لم يكن هناك سواي وسوى

 الله، وورائي سماءٌ تملوُها النجوم، والساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل خارج منتجعٍ للتزلُّج على الجليد في سويسرا.  كان لقاءً لن أنساه أبدًا، وحتّى عندما أحاول أن أُعيدَ سرده، تعوزني الكلمات.

     كانت تلك خطوةً هامَّةً في مسيرتي.  لقد خضعتُ لاختياره عندما كنت في تلك المرحلة حيث كنت أرغب في بعض الإجابات. وبدأت الإجابات تأتي إليَّ وأنا أقوم بدراستها بدقَّة وإخضاعها لما قد تعلَّمته.  إنَّ معظم ما سأكتبه على هذا الموقع هو ما قد تعلَّمته منذ تلك الليلة.  هناك شعورٌ واقعيٌّ جدًّا وهو أنَّ المرء حين يشرع في مثل هذا النوع من الرحلات لا يستطيع أبدًا الوصول تمامًا إلى وجهته، لكنِّي تعلَّمتُ أنَّ الإنجيل يقدِّم إجابات لهذه المسائل التي طرحتها في حياتي، واختبرت ذلك.  إنَّ القصد الرئيسيّ هو في الواقع التصدّي لها ومعالجتها – حياةٌ كاملة، الموت، الأبديَّة، الحريَّة، وشؤون عمليَّة مثل المحبَّة في علاقاتنا الأسريَّة، العار، الشعور بالذنب، الخوف، المغفرة.  يؤكِّد الإنجيل أنَّ هناك أساسًا يمكننا أن نبني عليه حياتنا.  قد لا يحبّ المرء الإجابات التي يقدِّمها الإنجيل أو لا يفهمهما تمامًا، هذا مُحتَمَل، ولكن بما أن الرسالة جاءت من عند الله في شخص عيسى المسيح، فسيكون من الحماقة البقاء جاهلين بها.

     إذا خصَّصت وقتًا لدراسة الإنجيل فقد تجد ما وجدته.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *