تروي سورة يوسف (سورة 12) قصَّة يوسف. كان يوسف ابن يعقوب ابن اسحق ابن إبراهيم. كان ليعقوب اثنيّ عشر ابنًا، أحدهم كان يوسف. تآمر إخوة يوسف الأحد عشر عليه، وشكَّلَت خططهم ضدَّه سِجِلَّ قصّة يوسف. تمّ تسجيل هذه القصّة لأوّل مرّة في توراة موسى قبل أكثر من 3500 سنة. تجدون القصَّة الكاملة كما وردت في التوراة هنا. وقصَّة يوسف كما وردَت في سورة يوسف (سورة 12) هنا. تخبرنا سورة يوسف أنّ هذه لم تكن مجرَّد قصَّة، ولكن
لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ
سورة يوسف 12: 7
ما الأحداث التي تضمَّنتها قصَّة يوسف وإخوته التي هي ’’آيات‘‘ للسائلين؟ علينا مراجعة القصّة من التوراة ومن سورة يوسف لنفهم هذه ’’الآيات‘‘
ساجدين أمام…؟
إحدى هذه الآيات الواضحة هي الحلم الذي أخبر يوسف والده عنه، حيث
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ
سورة يوسف 12: 4
نرى بالفعل في نهاية القصَّة
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
سورة يوسف 12: 100
تَرِدُ كلمة ’’ساجدين ‘‘ مرّات عديدة في صفحات القرآن. لكنّها جميعًا تُشير إلى السجود أمام الله سبحانه وتعالى، أو في الصلاة، في الكعبة، أو أمام معجرات الله (مثل السَحَرة في مصر مع موسى). لكن هنا يوجد استثناءٌ، أيّ أنّ السجود هو أمام رجلٍ (يوسف). الحادثة الوحيدة الأُخرى المشابهة هي عندما أُمِرَ الملائكة ﮨ ’’السجود‘‘ أمام آدم (سورة طَه 20: 116، وسورة الأعراف 7: 11). لكنّ الملائكة لم تكن بشرًا، فالقاعدة العامّة هي أن يسجد البشر للربِّ فقط
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
سورة الحج 22: 77
ما الذي كان يُميِّز يوسف ممّا أدّى إلى هذا الاستثناء بحيث سجد أمامه أبوه يعقوب وإخوته؟
ابن الإنسان
يُظهِرُ الجدول الزمنيّ النبيّ دانيال وأنبياء الزبور الآخرين
بالمِثْل، يأمرنا الكتاب المقدَّس بأنّ نسجد أمام الربِّ وحده أو نعبده، لكن هناك استثناءً أيضًا. تلقّى النبيّ دانيال رؤيا تتطلَّع إلى المستقبل، إلى الوقت الذي سوف يتأسَّس فيه ملكوت الله، وفي هذه الرؤيا رأى ’’ابن الإنسان‘‘.
كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ
فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ
سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ
دانيال 7: 13- 14
في هذه الرؤيا، يسجد الناس أمام ’’ابن الإنسان‘‘ كما سجدت عائلة يوسف أمامه
إنّ ’’ابن الإنسان‘‘ هو اللقب الذي كان النبيّ عيسى المسيح، عليه السلام، يستخدمه في أغلب الأحيان مُشيرًا إلى نفسه. لقد أظهر سلطانًا عظيمًا في التعليم و الشفاء، وسلطانًا على الطبيعة عندما كان يمشي على وجه الأرض. لكنّه لم يأتِ ’’بسُحُب السماء‘‘ كما تنبَّأت رؤيا دانيال. والسبب في ذلك هو أنّ تلك الرؤيا كانت تتطلَّع إلى المستقبل البعيد، إلى ما بعد مجيئه الأوّل، إلى مجيئه الثاني – رجوعه إلى الأرض ثانيةً ليُحطِّم الدجَّال (كما نتبَّأ آدم) ويؤسِّس ملكوت الله
كان هدفُ مجيئه الأوّل، مولودًا من مريم العذراء، هو فداء الناس ليصبحوا من مواطني ملكوت الله. لكن حتّى في ذلك الوقت، تحدَّث عن كيفيَّة قيام ابن الإنسان بالفصل بين الناس عند عودته فوق السحاب. لقد تنبَّأ عن مجيء جميع الشعوب ساجدين أمامه كما سجدَ إخوة يوسف أمامه. هذا ما علَّمه المسيح
’’وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ‘‘
متّى 25: 31- 46
يوسف وعيسى المسيح
بالإضافة إلى الاستثناء الذي يقول إنّ البشر سيسجدون أمام بعضهم البعض، فإنّ يوسف وعيسى المسيح واجها نَموذجًا مشابهًا للإحداث. لاحظوا الطُرق العديدة التي كانت تتشابه بها حياتهما
الأحداث في حياة يوسف | الأحداث في حياة المسيح |
كان إخوته الذين أصبحوا أسباط إسرائيل الاثني عشر، يكرهونه ويرفضونه. | كان اليهود، كأمّةٍ من الأسباط، يكرهون عيسى المسيح ويرفضونه كالمسيّا. |
أعلن يوسف سجود إخوته في المستقبل لإسرائيل (وهو اسم يعقوب الذي أعطاه إيّاه الله). | تنبَّأ عيسى المسيح بسجود إخوته (زملائه اليهود) لإسرائيل (مرقس 14: 62). |
أُرسِلَ يوسف من قِبَل أبيه يعقوب إلى إخوته لكنّهم رفضوه وتآمروا ضدّه ليقتلوه. | أُرسِلَ عيسى المسيح مِن قِبَل أبيه إلى إخوته اليهود، لكنَّ ’’خاصّته لم تقبله‘‘. (يوحنا 1: 11) وتآمروا ليقتلوه (يوحنا 11: 53). |
ألقوهُ في حفرةٍ في الأرض. | نزل عيسى المسيح إلى أقسام الأرض السُفلى |
بِيعَ يوسفَ وسُلِّمَ إلى أجانب ليتخلَّصوا منه. | بِيعَ عيسى المسيح وسُلِّمَ إلى أجانب ليتخلَّصوا منه. |
أُخِذَ إلى مكانٍ بعيدٍ ليعتقد إخوته ووالده إنّه ميِّتٌ. | اعتقدَ بنو إسرائيل وإخوته اليهود أنّ عيسى المسيح لا يزال ميّتًا |
تواضعَ يوسف كخادم. | أخذ عيسى المسيح ’’صورة عبدٍ‘‘ و ’’وضعَ نفسه حتّى الموت‘‘ (فيلبي 2: 6) |
اتُّهِمَ يوسف زورًا بارتكاب الخطيّة. | اتَّهمه اليهود زورًا بأمورٍ كثيرةٍ (مرقس 15: 3). |
أُرسِلَ يوسف كعبدٍ إلى السجن حيث تنبّأ بإطلاق سراح بعض المسجونين من ظُلمة الزنزانه (الخبَّاز). | أُرسِلَ عيسى المسيح ’’لأعصِب مُنكسِري القلوب لأُنادي للمَسبيّين بالعِتق وللمأسورين بالإطلاق‘‘ (إشعياء 61: 1). |
صعد يوسف إلى عرش مصر فوق جميع السلطات الأُخرى، خاضعًا لفرعون نفسه فقط. وسجدت أمامه الجموع التي أتت إليه. | رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كلِّ اسمٍ لكي تجثو باسم يسوع كلّ ركبةٍ ممَّن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض‘‘ (فيلبي 2: 10-11). |
ومع أنّه كان لا يزال موفوضًا، ومع أنّ إخوته اعتقدوا أنّه ميِّتٌ، أتت الأُمم إلى يوسف للحصول عل الخبز الذي كان باستطاعته توفيره لهم. | على الرغم من أنّه كان لا يزال مرفوضًا، واعتقد إخوته أنّه كان ميّتًا، أتت الأُمم إلى عيسى المسيح للحصول على خبز الحياة الذي كان هو وحده قادرًا على تقديمه لهم. |
قال يوسف عن خيانة إخوته له: أنتم قصدّتم لي شرًّا. أمّا الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم (تكوين 50: 20). | قال عيسى المسيح إنّ خيانة زملائه اليهود كانت مقصودة من الله وخلَّصَت حياة كثيرين (يوحنا 5: 24). |
سجدَ إخوته والأُمم أمام يوسف. | تنبَّأ دانيال عن ابن الإنسان بأنّ ’’كلّ الأُمم والشعوب والألسنة سوف تتعبَّد له‘‘. |
نماذج كثيرة – آيات كثيرة
كانت حياة جميع الأنبياء القدماء في التوراة تقريبًا، نموذَجًا لحياة عيسى المسيح – وقد وُضِعَت نماذج قبل مجيئه بمئات السنين. تمَّ هذا الأمر لكي نرى أنّ مجيء المسيّا كان في الحقيقة خطّة الله وليس خطّة بشريّة، لأنَّ البشر لا يعرفون المستقبل قبل حدوثه بوقتٍ طويلٍ
بدءًا بآدم، كان هناك تنبُّؤ عن المسيّا. يقول الكتاب المقدّس إنّ آدم
… هُوَ مِثَالُ الآتِي (أي عيسى المسيح)
رومية 5: 14
مع أنَّ إخوة يوسف سجدوا في النهاية له، إلّا أنّ الرفض والتضحية والانسلاخ عن إخوته هو ما يتمُّ التشديد عليها في حياته. نرى هذا التشديد على ذبيحة المسيّا في نموذج ذبيحة النبيّ إبراهيم. بعد يوسف، أصبح أبناء يعقوب الاثني عشر أسباط إسرائيل الاثني عشر الذين قادهم النبيّ موسى عليه السلام خارج مصر. إنّ طريقة قيامه بهذا الأمر كانت نموذجًا يتنبَّأ عن تفاصيل ذبيحة المسيح. في الواقع، تحتوي التوراة على العديد من الآيات المُفَصَّلة التي كُتبَت قبل آلاف السنين من مجيء المسيح. وتوجد في الزبور وفي أسفار الأنبياء الآخرين تفاصيل كثيرة أُخرى كُتِبَت قبل مئات السنين من مجيء المسيح، مع الرفض الذي شدَّدت عليه نبوّة العبد المُتألِّم. وبما أنّه ما من إنسانٍ يعرف المستقبل قبل حلوله بمئات السنين، فكيف استطاع هؤلاء الأنبياء معرفة هذه التفاصيل ما لم يكن الله هو مَن أوحى بها إليهم؟ إذا كان الله قد أوحى بها إليهم، فلا بُدَّ إذًا أنّ يكون رفض عيسى المسيح ورفض ذبيحته هما خطّة الله
تحدَّثت معظم هذه النماذج أو النبوّات عن مجيء المسيح الأوّل حيث بذلَ نفسه لكي ننال الفداء ولكي نتمكَّن من دخول ملكوت الله
لكنَّ نموذج يوسف يتطلَّع إلى أبعد من ذلك أيضًا، إلى الوقت الذي سيأتي فيه الملكوت وسجود جميع الأُمم عند مجيء عيسى المسيح إلى الأرض. وبما أنّنا الآن نعيش في الوقت الذي نُدعى فيه إلى ملكوت الله، فعسى ألّا نكون مثل الرجل الغبيّ في المعارج الذي أجَّلَ ليجد فاديًا إلى يوم الآخرة – لكنَّ الوقت كان قد فات. تعرَّف الآن على المزيد من تضحية المسيح بحياته لأجلك.
قال المسيح إنّ عودته ستكون على هذا النحو
’’حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ. وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ، فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ. فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. وَهكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضًا وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ. وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيل أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا. فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا. قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ. فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا. فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ‘‘.
متى 25: 1- 30