سوف نفحص هذا السؤال بالتفصيل مُستخدِمين واقعة اختفاء الحجر الأسود من الكعبة (في سنة 318 هجريّة) لتوضيح هذه القضيّة
إنّ الذين ينكرون أنّ عيسى المسيح، عليه السلام، مات على الصليب، يُشيرون عادةً إلى سورة النساء 157.
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا.
سورة النساء 4: 157
هل قُتِلَ عيسى المسيح؟
لاحظوا أنّ هذه الآية لا تقولُ إنّ عيسى المسيح لم يمُت. إنّها تقولُ إنّ اليهود ’’لم يقتلوه‘‘. وهذا أمرٌ مختلف. يُسجِّل الإنجيل أنّ اليهود ألقوا القبضَ على النبيّ، وقام قيافا رئيس الكهنة باستجوابه، لكن
ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ.
وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ
يوحنا 18: 28
كان بيلاطس الحاكم الروماني. ولأنّ اليهود كانوا تحت الاحتلال الروماني، لم يكن لديهم السلطة لتنفيذ حكم الإعدام. ثمّ أسلَم بيلاطس النبيّ لجنوده الرومان
فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ
يوحنا 19: 16
إذن، الحكومة الرومانيّة والجنود الرومان هم الذين صلبوه – وليس اليهود. كان اتِّهام تلاميذ النبيّ للقادة اليهود هو
إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ،
الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ.
أعمال الرُسُل 3: 13
سلَّمه اليهود إلى الرومان فصلبوه. بعد موته على الصليب، وُضِع جسده في قبرٍ
وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ.
فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيبًا.
يوحنا 19: 41-42
تقول سورة النساء 157 بأنّ اليهود لم يصلبوا عيسى المسيح. هذا صحيح. الرومان هم الذين صلبوه
سورة مريم وموت النبيّ
تُوَضِّحُ سورة مريم ما إذا كان عيسى المسيح قد مات أم لم يمُت
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ
عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ
سورة مريم 19: 33- 34
تنُصُّ هذه الآيات بوضوح على أنّ عيسى المسيح قد تنبَّأ عن موته القادم وتحدَّث عنه، كما يُسجِّل الإنجيل.
نظريّة ’’يهوذا قُتِلَ بدلاً عنه‘‘
لكن هناك نظريّة واسعة الانتشار تقول بإنّ يهوذا قد تغيَّر شكله ليبدو مثل عيسى المسيح. ثمَّ أُلقى اليهود القبض على يهوذا (الذي أصبح يشبه عيسى)، وصلبَ الرومان يهوذا (وهو لا يزال يشبه عيسى)، وأخيرًا، دُفِنَ يهوذا (وهو لا يزال يُشبه عيسى). بالنسبة إلى هذه النظريّة، ذهب عيسى المسيح مباشرةً إلى السماء دون أن يموت. مع أنّ كلاًّ من القرآن والإنجيل لا يصفان في أيّة مرحلةٍ من المراحل مثل هذا المخطَّط بشكلٍ مستفيض، إلاّ أنّه يُرَوَّج له على نطاقٍ واسعٍ. لذلك، دعنا نتفحّص هذه النظريَّة
عيسى المسيح في السجلّات التاريخيَّة
يسجِّل التاريخ العلماني العديد من الإشارات إلى عيسى المسيح وموته. دعنا نُلقي نطرةً على اثنين منها. أشار المؤرِّخ الروماني تاسيتوس (Tacitus) إلى عيسى المسيح عندما سجَّل كيف اضطهَدَ الإمبراطور الروماني نيرون أتباع النبيّ الأوائل في سنة 65 ميلاديَّة. كتب تاسيتوس:
’’عاقبَ نيرون… بأشدِّ أدوات التعذيب، الأشخاص الذين كان يُدعَون مسيحيّين، والذين كانوا مكروهين بسبب أعدادهم الهائلة. قُتِلَ كريستوس، مؤسِّس هذه التسمية، على يدِ بيلاطس البُنطي، حاكم يهودا في عهد طيباريوس، لكنّ الخرافة الخبيئة التي قُمِعَت لبعض الوقت انطلقَت مرّةً أُخرى، ليس في اليهوديَّة فقط، حيث نشأ هذا الضرر، بل في أنحاء مدينة روما أيضًا‘‘
تاسيتوس، السجلاّت 44.XV
أكَّدَ تاسيتوس أنّ عيسى المسيح كان
- شخصًا تاريخيًّا؛
- أُعدِمَ على يد بيلاطس البُنطي؛
- بدأ أتباعه حركتهم في اليهوديَّة (أورشليم) بعد موت النبيّ عيسى المسيح،
- بحلول عام 65 ميلادي (زمن نيرون) كانوا قد انتشروا من اليهوديَّة إلى روما، إلى درجة أنّ الإمبراطور الروماني شعر أنّه يتعيَّن عليه إيقاف هذه الحركة.
كان يوسيفوس (Josephus) قائدًا/مؤرِّخًا عسكريًّا رومانيًّا، كتب عن التاريخ اليهودي في القرن الأوّل. بفعل ذلك، سجَّل حياة عيسى المسيح بالكلمات التالية
’’في ذلك الوقت، كان هناك رجلٌ حكيمٌ… يسوع… صالحٌ و… فاضلٌ. وأصبحت أعدادٌ كبيرةٌ من اليهود والأُمم الأُخرى من بين أتباعه. حكَمَ عليه بيلاطس بالصَلْب وبالموت. والذين أصبحوا تلاميذه لم يتخلّوا عن تلمذته. وهم أبلغوا أنّه ظهر لهم بعد ثلاثة أيّامٍ من صَلْبه وأنّه كان حيًّا.
يوسيفوس. 90 ميلاديَّة. 33.XVIII Antiquities
:أكَّدَ يوسيفوس
- أنّ عيسى المسيح كان موجودًا،
- وأنّه كان مُعلِّمًا دينيًّا،
- وأنّ بيلاطس الحاكم الروماني أعدمهُ،
- وأنّ تلاميذه قد نادوا علانيةً بقيامة عيسى المسيح بعد ذلك مباشرةً.
يبدو من هذه السجلّات التاريخيّة أنّ موت النبيّ كان حدثًا معروفًا جدًّا لا جدال بشأنه، وأنّ تلاميذه كرزوا بقيامته في العالم الروماني
الخلفيَّة التاريخيَّة – من الكتاب المقدَّس
في ما يلي ما سجَّله سفر أعمال الرُسُل في الكتاب المقدّس بشأن ما حدث عندما كرز التلاميذ بقيامة عيسى المسيح في الهيكل في أورشليم بعد بضعة أسابيع من صلبهِ
وَبَيْنَمَا هُمَا يُخَاطِبَانِ الشَّعْبَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَالصَّدُّوقِيُّونَ، مُتَضَجِّرِينَ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا الشَّعْبَ، وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى الْغَدِ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَكَتَبَتَهُمُ اجْتَمَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مَعَ حَنَّانَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ وَقَيَافَا وَيُوحَنَّا وَالإِسْكَنْدَرِ، وَجَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ عَشِيرَةِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا أَقَامُوهُمَا فِي الْوَسْطِ، جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمَا:«بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأَيِّ اسْمٍ صَنَعْتُمَا أَنْتُمَا هذَا؟» حِينَئِذٍ امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَقَالَ لَهُمْ:«يَا رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ، إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ الْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ، بِمَاذَا شُفِيَ هذَا، فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. هذَا هُوَ: الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ». فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ. وَلكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ. فَأَمَرُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا إِلَى خَارِجِ الْمَجْمَعِ، وَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: «مَاذَا نَفْعَلُ بِهذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ لأَنَّهُ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنَّ آيَةً مَعْلُومَةً قَدْ جَرَتْ بِأَيْدِيهِمَا، وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ. وَلكِنْ لِئَلاَّ تَشِيعَ أَكْثَرَ فِي الشَّعْبِ، لِنُهَدِّدْهُمَا تَهْدِيدًا أَنْ لاَ يُكَلِّمَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فِيمَا بَعْدُ بِهذَا الاسْمِ»
أعمال الرُسُل 4: 1-17
فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ مَعَهُ، الَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ الصَّدُّوقِيِّينَ، وَامْتَلأُوا غَيْرَةً فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى الرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ الْعَامَّةِ. وَلكِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ فِي اللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ السِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: «اذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلاَمِ هذِهِ الْحَيَاةِ». فَلَمَّا سَمِعُوا دَخَلُوا الْهَيْكَلَ نَحْوَ الصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ. ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ، وَدَعَوُا الْمَجْمَعَ وَكُلَّ مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْحَبْسِ لِيُؤْتَى بِهِمْ. وَلكِنَّ الْخُدَّامَ لَمَّا جَاءُوا لَمْ يَجِدُوهُمْ فِي السِّجْنِ، فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا قَائِلِينَ:«إِنَّنَا وَجَدْنَا الْحَبْسَ مُغْلَقًا بِكُلِّ حِرْصٍ، وَالْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ خَارِجًا أَمَامَ الأَبْوَابِ، وَلكِنْ لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ فِي الدَّاخِلِ أَحَدًا». فَلَمَّا سَمِعَ الْكَاهِنُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ هذِهِ الأَقْوَالَ، ارْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هذَا؟ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَهُمْ قَائِلاً:«هُوَذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي السِّجْنِ هُمْ فِي الْهَيْكَلِ وَاقِفِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ!». حِينَئِذٍ مَضَى قَائِدُ الْجُنْدِ مَعَ الْخُدَّامِ، فَأَحْضَرَهُمْ لاَ بِعُنْفٍ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ الشَّعْبَ لِئَلاَّ يُرْجَمُوا. فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ أَوْقَفُوهُمْ فِي الْمَجْمَعِ. فَسَأَلَهُمْ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ قِائِلاً:«أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَانِ». فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا:«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ. إِلهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ الَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. هذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا. وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهذِهِ الأُمُورِ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا، وَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ. فَقَامَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ اسْمُهُ غَمَالاَئِيلُ، مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ، مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ الرُّسُلُ قَلِيلاً. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:« أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، احْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ جِهَةِ هؤُلاَءِ النَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ تَفْعَلُوا. لأَنَّهُ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ قَائِلاً عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ شَيْءٌ، الَّذِي الْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ، الَّذِي قُتِلَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لاَ شَيْءَ. بَعْدَ هذَا قَامَ يَهُوذَا الْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ الاكْتِتَابِ، وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْبًا غَفِيرًا. فَذَاكَ أَيْضًا هَلَكَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. وَالآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ هؤُلاَءِ النَّاسِ وَاتْرُكُوهُمْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ هذَا الرَّأْيُ أَوْ هذَا الْعَمَلُ مِنَ النَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ اللهِ فَلاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلاَّ تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ للهِ أَيْضًا». فَانْقَادُوا إِلَيْهِ. وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ. وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.
أعمال الرُسُل 5: 17-41
لاحظوا كيف بذل القادة اليهود جهودًا حثيثة لمنع المناداة برسالتهم. مثلهم مثل حكومات اليوم الخائفة من حركاتٍ جديدةٍ، قاموا بتوقيف وتهديد وضرب، ثمّ أخيرًا قَتْل (بعض) التلاميذ لمحاولة منعهم من الكرازة برسالتهم. نادى هؤلاء التلاميذ برسالتهم في أورشليم – المدينة نفسها حيث تمَّ إعدام ودفن شخصٍ بمظهر عيسى المسيح منذ أسابيع قليلة فقط. لكن مَن الذي تمَّ إعدامه؟ النبيّ؟ أو يهوذا الذي تغيَّر شكله ليبدو مثله؟
دعنا نُلقي نظرة على البدائل ونرى أيّها منطقيَّة
جسد عيسى المسيح والقبر
يوجدُ خياران فقط بشأن القبر. إمّا أنّ القبر كان فارغًا، أو أنّه كان لا يزال يحتوي على جسدٍ بدا مظهره كمظهر النبيّ. ليس ثمّة خيارات أُخرى
دعنا نفترض النظريّة التي تقول بأنّ يهوذا جُعل ليبدو مثل النبيّ، وأنّه صُلِبَ بدلًا عنه، ثمّ وُضِعَ جسده (الذي كان يُشبه النبيّ) في القبر. والآن فكّروا في الأحداث التي تلت والتي نعلم أنّها حدثت من التاريخ. يُخبرنا يوسيفوس وتاسيتوس وسفر أعمال الرُسل جميعًا أنّ التلاميذ بدأوا بنشر رسالتهم في أورشليم، وأنّ السلطات الحاكمة هناك اتَّخَّذت إجراءاتً قويّة لمقاومة رسالة التلاميذ بعد فترةٍ وجيزةٍ من صَلْبِ (يهوذا الذي كان يبدو بمظهر النبيّ – طالما نحن نفترض هذه النظريّة). لكنّ هذه النظريّة تقبل حقيقة أنّ يهوذا بقي ميّتًا. بالنسبة لهذه النظريّة، بقي الجسد في القبر (لكنّه كان لا يزال متغيِّرًا ليبدو مثل النبيّ). فالتلاميذ وتاسيتوس ويوسيفوس – والجميع – كانوا سيعتقدون مُخطئين بأنَّ الجسد كان جسد النبيّ، لكنّه في الحقيقية كان جسد يهوذا الميِّت (الذي بدا مثل النبيّ)
وهذا يُثير سؤالًا. لماذا كان يتعيَّن على القادة الرومان واليهود في أورشليم اتِّخاذ مثل هذه التدابير القويّة لوقف انتشار قصص القيامة إذا كان هذا الجسد لا يزال في القبر، إلى جانب رسائل التلاميذ العلنية حول قيامة النبيّ من الأموات؟ لو كان جسد يهوذا (الذي كان بمظهر عيسى المسيح) لا يزال في القبر، لكانت المسألة بسيطة بالنسبة إلى السلطات، وهي عرض هذا الجسد أمام الجميع، وهكذا يتمكّنون من دحض رسالة التلاميذ (الذين قالوا إنّه قام) دون أن يضّطرّوا إلى سَجْنِهم وتعذيبهم، وأخيرًا قتلهم كشهداء. إنّ السبب في عدم قيامهم بذلك، هو أنّه لم يكن هناك جسدٌ ليعرضوه – كان القبر فارغًا.
الحجر الأسود، الكعبة، مسجد مكّة والمدينة كأمثلةٍ توضيحيَّة
في سنة 930 ميلاديَّة (318 هجريَّة)، سُرِقَ الحجر الأسود ونُقِلَ من الكعبة في مكّة مِن قِبَل جماعةٍ شيعيَّة معارضة للحكّام العبّاسيِّين في ذلك الوقت. تمَّ الاحتفاظ به لمدّة 23 سنة قبل أن يُعاد إلى الكعبة. الحجر الأسود يمكن أن يُفقَد.
تخيَّلوا حالةً كهذه حيث تُعلنُ جماعةٌ ما علانيةً للحشود في الجامع الكبير في مكّة (المسجد الحرام) أنّ الحجر الأسود لم يعد موجودًا في الركن الشرقيّ من الكعبة. إنّ رسالتهم مُقنعةٌ جدًّا إلى درجة أنّ الحُجَّاج في المسجد يبدأون بتصديق أنّ الحجر الأسود قد اختفى. كيف يمكن لأُمناء الحرَمَين (خادم الحَرَمَين الشريفَين) مقاومة رسالةٍ كهذه؟ إذا كانت الرسالة زائفة وكان الحجر الأسود لا يزال في الكعبة، فإنّ الوسيلة الفُضلى بالنسبة إلى الأمناء لوقف هذه الرسالة هي الإعلان بأنّ الحجر الأسود لا يزال موجودًا في الكعبة كما كان الحال لعدّة قرونٍ، وعرضه على الملأ. عندئذٍ سيرفض الناس على الفور تصديق هذه الرسالة. إنّ قُرْب الحجر الأسود من المسجد الحرام في مكّة يجعل هذا الأمر ممكنًا. وبالعكس، إذا لم يستطع الأُمناء عرض الحجر الأسود لدحض هذه الفكرة، عندئذٍ يتبيَّن أنّ الحجر الأسود قد فُقِدَ حقًّا كما حدث في سنة 318 هجريَّة
لكن إن كانت هذه المجموعة في المسجد النبويّ في المدينة، وهي تُعلن أنّ الحجر الأسود قد نُقِلَ من الكعبة في مكّة (على بُعد 450كم)، يُصبح تكذيب قصَّتهم أكثر صعوبةً بالنسبة إلى أُمناء الحَرَمَين الشريفَين ، حيث أنّه من الصعب عليهم أن يعرضوا أمام الناس في المدينة الحجر الأسود الذي هو بعيدٌ جدًّا.
إنَّ قُرْب الغرَض المقدّس من المكان الذي يجري فيه الجدَل حوله، يجعل من السهل دحض أو التحقُّق من الادِّعاءات المتعلِّقة به، بما أنّ هذا الغرض قريبٌ جدًّا لفحصه.
القادة اليهود المعارضون لرسالة القيامة لم يدحضوها بإظهار الجسد
ينطبقُ هذا المبدأ على جسد يهوذا/عيسى في أورشليم. إنّ القبر الذي سُجِّيَ فيه على الظاهر جسد يهوذا (الذي يُشبه يسوع) كان على بُعد مسافةٍ قصيرة من الهيكل حيث كان تلاميذ عيسى المسيح ينادون أمام الحشود بأنّ النبيّ قد قام من الأموات. كان ينبغي أن يكون من السهل على القادة اليهود تكذيب رسالتهم عن القيامة بمجرّد إظهار الجسد (الذي يشبه يسوع) في القبر. إنّها لحقيقة أنّ رسالة القيامة (التي يمكن إثبات بطلانها مع وجود جسدٍ ما زال في القبر) بدأت بالقرب من القبر نفسه، حيث كان بإمكان الجميع رؤية الدليل. بما أنّ القادة اليهود لم يدحضوا رسالة التلاميذ (ادّعاءهم) بإظهار الجسد، فإنّه لم يكن هناك جسدٌ ليُظهروه
آمن الآلاف برسالة القيامة في أورشليم
تحوَّل الآلاف إلى الإيمان بقيامة عيسى المسيح الجسديَّة في أورشليم في ذلك الوقت. لو كنت واحدًا من بين الحشود التي كانت تستمع إلى بطرس، وتتساءل عمّا إذا كانت رسالته صحيحة، أما كنت لتأخذ على الأقلّ استراحة للغداء وتذهب إلى القبر لترى بنفسك إن كان لا يزال جسدٌ هناك؟ لو كان جسد يهوذا (الذي يشبه النبيّ عيسى المسيح) لا يزال في القبر، لما كان أحدٌ قد آمنَ برسالة الرُسُل. لكنَّ التاريخ يسجِّل أنّ التلاميذ ربحوا آلاف الأتباع، بدءًا من أورشليم. إنّ ذلك كان سيبدو مستحيلًا بوجود جسد يشبه النبيّ لم يزل موجودًا في أورشليم. إنّ بقاء جسد يهوذا في القبر يقود إلى تفسيراتٍ عبثيَّة، ولا معنى له
لا يمكن لنظريَّة جسد يهوذا تفسير القبر الفارغ
إنّ المشكلة في هذه النظريَّة التي تقول إنّ يهوذا تغيَّر ليبدو مثل عيسى المسيح، ومن ثَمَّ صُلِب ودُفِنَ في مكانه، هي أنّها تنتهي بوجود جسدٍ في القبر. لكنّ القبر الفارغ هو التفسير الوحيد لكون التلاميذ قادرين على إنشاء حركة، بعد بضعة أسابيع فقط من (عيد العنصرة) يوم الخمسين، مبنيَّة على قيامة النبيّ في مدينة تنفيذ الحكم نفسها
كان هناك خياران فقط، أحدهما عن جسد يهوذا الذي بدا مثل النبيّ وبقي في القبر، والآخر هو قيامة عيسى المسيح بوجود قبرٍ فارغ. بما أنّ بقاء الجسد في القبر يؤدّي إلى تفسيراتٍ عبثيّة، فلا بدَّ من أنّ عيسى المسيح قد مات على يد الرومان وقام من القبر كما هو مذكورٌ بوضوح، واهبًا لنا عطيَّة حياته.
ولمزيدٍ من بحث هذه المسألة، يراجع الباحث كومينغ (Cumming) تفسيرات كتابات السُنَّة التي قام بها رجال الدين والعلماء